تجارب ناجحة في دعم الموهوبين
تجربة الولايات المتحدة الأمريكية
تعتبر تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في رعاية الموهوبين والمتفوقين عقليًا رائدة التجارب
العالمية من حيث القوانين الفيدرالية التي تدعمها، التاريخ الطويل المليء بالتجارب والمحاولات، الكم الهائل
من البحوث والدراسات التي تغذي المجال بأسس الرعاية والأساليب المستخدمة في التطبيق، عدد المؤسسات
والمنظمات والجمعيات التي ترعى هذه الفئة من الأبناء، الاهتمام المتزايد على مستوى مؤسسات التعليم
العالي، تنوع أساليب الرعاية...، فهي تتمتع بصيت طيب في مجال رعاية الموهوبين والمتفوقين نتيجة
التطور الحاصل في المجال منذ بداية عقد السبعينات من القرن الماضي، فهناك تعدد ملحوظ في أنواع
البرامج الخاصة بتربية ورعاية الموهوبين، وهناك آلاف البحوث والدراسات التي قدمت مظاهر رعاية هذه
الفئة على طبق من ذهب، وبالأخص في مجالات الكشف وإعداد البرامج الإثرائية والمناهج الخاصة الفارقة
وطرائق التدريس. ويتبع في الولايات المتحدة الأمريكية في المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات أكثر من
نظام في تربية الموهوبين والمتفوقين، منها التجميع والإثراء والإسراع التعليمي المتمثل في القبول المبكر في
رياض الأطفال وصفوف المرحلة الابتدائية، ونظام تخطي الصفوف الدراسة وضغط المنهاج، أو ضغط
صفوف في المرحلة الدراسية الواحدة، وتنفيذ برامج إضافية في كل فصل دراسي، بحيث تمكن الطلاب
الموهوبين أو المتفوقين عقليًا من اجتياز المرحلة الثانوية مث ً لا في سنوات أقل مما هو معتاد.
إن تتبع تاريخ رعاية الموهوبين والمتفوقين في الولايات المتحدة الأمريكية يؤكد أن هذا النوع من
الرعاية لم يأخذ الطابع الرسمي الذي هي عليه الآن، ولا الزخم الهائل من الاهتمام الذي تحظى به حاليًا،
حيث كانت البدايات عبارة عن تجارب فردية تمثلت في تطبيق بعض البرامج القائمة على التسريع وتخطي
الصفوف الدراسية في بعض المدارس الحكومية كالذي حدث في مدينة إليزابث- نيوجرسي عام 1886
م، كما
تم تجميع الطلاب المتفوقين داخل صفوف خاصة بهم لبعض الوقت وتزويدهم بمنهاج خاص وخبرات تعليمية
إثرائية إضافية في مدينة سانت باربارا بكاليفورنيا عام 1898 م، وكذلك في نيويورك عام 1900 م، ومدينة
كليفلاند بأوهايو عام 1920 م. وقد استمر وضع التجريب هذا خلال العقود الأولى من القرن العشرين مما
أخر الانتشار المناسب لها خوفًا من أن يخلق الاهتمام الزائد بهذه الفئة مجموعات من الأفراد المصطفين أو
علاوة على الاعتقاد بان الموهوب قادر على تدبير أموره وأن يهتم بنفسه وينمو بذاته دون ،Elites
الأخيار
لذا ندرت الجهود المبذولة ،Will
Make It On His/ Her Own الحاجة إلى تدخل مباشر ممن حوله
.(www.nagc.org)
1950
م - لرعاية هذه الفئة خلال الفترة من 1925
بشكل عام، تحتل دراسات كل من لويس تيرمان التتبعية وليتا هولنجورث مكانة خاصة ومتميزة في
تاريخ علم النفس ومجال رعاية الموهوبين لكونها من أقدم الدراسات العلمية المنهجية الرائدة التي أسهمت في
لفت أنظار التربويين والباحثين والرأي العام في الولايات المتحدة لموضوع الموهوبين والمتفوقين،
وخصائصهم الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية وميولهم الخاصة، ولأهمية الاكتشاف المبكر لهم،
والرعاية التربوية والنفسية، والبرامج التعليمية الخاصة بالنسبة لنمو استعداداتهم. كما أسهمت هذه الدراسات
في إلقاء الضوء على حياة المتفوقين الأكاديمية والمهنية، ومشكلاتهم، وبعض جوانب صحتهم النفسية،
وانجازاتهم اللاحقة في مختلف مجلات تخصصاتهم. كما مهدت الطريق أمام المزيد من الدراسات للكشف عن
السمات الشخصية والعوامل غير المعرفية التي تسهم في زيادة معدلات التحصيل الدراسي والانجاز
الأكاديمي، واستكشاف الأوضاع والبيئات الأسرية والمدرسية المناسبة لنمو المواهب والتفوق، وتقييم أثر
.(
الاستراتيجيات والأساليب التدريسية في تنمية استعدادات الأطفال الموهوبين وطاقاتهم (القريطي، 2005
وتعتبر محاولة ترجمة اختبار بينيه إلى اللغة الانجليزية وتقنينه في الولايات المتحدة من قبل لويس
تيرمان الذي نشره لأول مرة عام 1916 م باسم اختبار ستانفورد- بينيه لأنه كان طالب دراسات عليا بتلك
الجامعة، تعتبر علامة مهمة وفارقة في تاريخ رعاية الموهوبين في الولايات المتحدة لأنها مكنت تيرمان من
إجراء دراسته الطولية على ما يزيد عن 1500 طالب وطالبة من الموهوبين بالمراحل الدراسية المختلفة
بولاية كاليفورنيا، حيث استخدم هذا الاختبار في الكشف عن الطلاب الذين يتمتعون بنسب ذكاء لا تقل عن
140
.
وقد تمكن تيرمان وتلاميذه من تتبع حياة هؤلاء الطلاب في مراحل لمعرفة ما سيؤولون إليه في
المستقبل واكتشاف خصائصهم السلوكية، ثم نشر أول تقرير عن نتائج الدراسة عام 1925 م والتي يقدر لها
أن تنتهي في عام 2015 م، حيث كان لهذه النتائج وما تلاها من تقارير الأثر الكبير في رسم معالم مجال
رعاية الموهوبين، خاصة ما يتعلق بخصائصهم ومشكلاتهم.
وجاءت محاولات العالمة ليتا هولنجورث 1923 م مدعمة لمحاولات تيرمان حيث لفتت نتائج
150- دراساتها وما ضمنته في مؤلفاتها من معلومات عن تربية ورعاية الموهوبين مرتفعي الذكاء ( 130
فأكثر) أنظار المربين وأولياء الأمور إلى أهمية الإثراء التعليمية كوسيلة مناسبة للتعمق في الموضوعات
الدراسية، كما أسهمت دراسات هذه العالمة في تحديد أبرز المشكلات الدراسية والانفعالية والاجتماعية-
النفسية للموهوبين الناتجة من شعورهم بالضيق والملل في المدارس العادية، وعلاقاتهم غير المشبعة
لاحتياجاتهم الخاصة مع أقرانهم ومعلميهم. كما بينت دراسات هولنجورث أهمية الإرشاد النفسي في حل
معظم مشكلات الموهوبين والمتفوقين.
نتيجة لهذه المحاولات الخجلة والدراسات العلمية آنفة الذكر انبرت شركة "وستنجهاوس" في عام
1942
م لتبني مشروعًا لاكتشاف طلاب المرحلة الثانوية الموهوبين من ذوي الاستعدادات العلمية التي تؤهلهم
مستقب ً لا لأن يكونوا علماء مبدعين، وقد أدى هذا المشروع وما صاحبه من دعاية إلى إبراز قيمة الموهوبين
والمتفوقين في العلوم المتصلة بالصناعات، وإلى لفت الانتباه مجددًا إلى أهمية الاهتمام بالمواهب.
The
American Association وفي عام 1947
م أنشئت الرابطة الأمريكية للأطفال الموهوبين
The
National تلاها في عام 1953 م إنشاء الرابطة القومية للأطفال الموهوبين for Gifted
Children
The
"
والتي أصدرت دوريتها ربع السنوية "الطفل الموهوب Association
for Gifted Children
.Gifted
child Quarterly
كل هذه الأحداث تعتبر مؤشرات على وجود توجه محدود نحو رعاية فئة الموهوبين؛ غير أن الحدث
الجلل الذي يعتبر نقطة تحول في الاهتمام بالموهوبين في الولايات المتحدة هو نجاح الاتحاد السوفيتي-
في خريف عام 1957 م. فمنذ تلك Sputnik
"
روسيا حاليًا- في إطلاق أول قمر صناعي للفضاء
"سبوتنك
اللحظة تنامي الاهتمام في الولايات المتحدة بالتعليم بشكل عام ورعاية الموهوبين والمتفوقين على وجه
الخصوص لبلوغ أقصى ما تؤهلهم له قدراتهم، وضمانًا للتفوق العلمي على الروس. وقد نتج عن هذا الاهتمام
في عام (NEA) The
National Educational Association المتزايد قيام الرابطة القومية للتربية
1958
م بتقديم مؤتمرًا للتربية ترأسه رئيس جامعة هارفارد آنذاك للبحث في سبل الكشف عن الموهوبين
والمتفوقين أكاديميا وتعليمهم في المرحلة الثانوية، كمما أصدر الكونجرس الأمريكي في نفس العام قانون
وقد تحقق للأمريكان ،(NDEA) The
National Defense Education Act
"
التعليم للدفاع القومي "
بغيتهم بغزو الفضاء وإنزال أول رائد فضاء على سطح القمر عام 1969 م.
قامت بعد ذلك الحكومة الفيدرالية بتمويل مشاريع مختلفة لتحسين البرامج التعليمية لتنمية المواهب
والاستعدادات الكامنة لدى الطلاب في مجالات العلوم والرياضيات واللغات الأجنبية، وتطوير برامج التوجيه
في عام 1970 م بموجب القانون Marland والإرشاد. كما كلف الكونجرس المفوض التعليمي سيدني ميرلاند
بإجراء دراسة موسعة عن أوضاع الأطفال الموهوبين والمتفوقين ومدى كفاية برامج المساعدة PL 91-230
التربوية الفيدرالية في إشباع احتياجاتهم الخاصة. وقد ظهر تقرير الدراسة عام 1972
م ليؤكد على النقاط
الآتية:
1. الحاجة إلى تطوير مناهج خاصة فارقة تبرز عمليات التفكير العليا (التفكير الابتكاري والتفكير
الناقد،...) والمفاهيم ذات المستوى الراقي.
2. الحاجة إلى تطوير استراتيجيات تدريس مناسبة لتعليم التلاميذ الموهوبين وتساعدهم على إيجاد
حلول ناجحة للمشكلات التي تواجه المجتمع والأمة.
3. الحاجة إلى تطوير نظم خدمات تربوية، وإجراءات إدارية مناسبة وكافية لتوفير خدمات متميزة
(Davis
& Rimm, .
لمجموعات بعينها من الموهوبين، كالموهوبين من ذوي المواهب الخاصة
2004)
كما نتج عن هذا التقرير ظهور تعريف شامل وواسع للموهوبين والموهوبين تم اعتماده كأول تعريف
فيدرالي يشمل فئات متعددة، كما تم إنشاء المكتب الأمريكي للموهوبين، وزاد الاهتمام بهذه الفئة في مختلف
الولايات وعلى كافة الأصعدة؛ إلا أن قوة المنافسة بين الولايات المتحدة وبعض الدول المتقدمة، كاليابان
في عام 1983 م Nation at Risk "
مث ً لا، زاد من شعور المسئولين بالعجز فظهر تقرير "أمة في خطر
والذي دفع بالمسئولين إلى الإسراع في عملية الإصلاح التربوي والتعليمي وتقديم المزيد من الاهتمام
للموهوبين والمتفوقين وذوي القدرات الابتكارية.
وكانت حركة البحث العلمي قد نشطت في هذا المجال حيث سارع بعض الأكاديميين إلى توجيه
أبحاثهم نحو مجالات رعاية الموهبة والإبداع، بدأها جيلفورد في بداية الخمسينات ثم بول تورنس وكالفن
تيلور، فجيمس جالجر وجوليان ستانلي وجوزيف رينزولي، وقد كانت لإسهامات هؤلاء وغيرهم الأثر الكبير
والواضح في نشر ثقافة الموهبة وتطوير استراتيجيات العمل المؤسسي في مجال رعاية الموهوبين على
المستويين المحلي والعالمي.
كما نشطت على المستوى الأسري حركة تنادي بضرورة حماية الأطفال كاحتجاج من آباء الأطفال
الموهوبين على الإهمال الذي يواجهه أبنائهم من قبل المعلمين والمدارس مما يؤدي إلى إحباطهم، ونادوا
بضرورة تقديم برامج تدريبية للمعلمين أثناء الخدمة للرفع من مستويات تعاملهم مع الطلاب وتقديم ما يناسبهم
The
National من برامج، فنتج عن ذلك إنشاء المؤسسة القومية للأطفال الموهوبين والمبدعين
للدفاع عن حقوق الموهوبين والمبدعين Foundation for
the Gifted and Creative Children
وحمايتهم ( القريطي، 2005 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق